][ماء البحر لن يستطيع إغراق قاربك، مادام لم يصل إلى داخله][
كان الفتى شغوفاً أن يذهب مع أبيه في رحلة صيد إلى وسط البحر،
كان أمله أن يكون على ظهر القارب حينما يعود قبل الغروب،
بعدما ظلّ سنوات عمره السابقة ينتظر مجيئه إلى الشاطئ.
وجاءت اللحظة التي زفّ فيها الأب لفتاه البشارة،
وخرج القارب بعد شروق الشمس مُتّجهاً إلى وسط البحر،
وعلى متنه جَلَس الفتى مُتأهباً لصُنع تاريخه الخاص كصياد محترف.
كانت الأمور طبيعية قبل أن تهُبّ عاصفة؛ فتُحيل السماء
إلى غيوم ومطر وبرق..
كان الأب يعمل بدأب من أجل امتلاك زمام القارب،
لم يَبدُ عليه جَزَع ولا خوف.. خِبرته بأمورالبحر ومروره بأشياء مشابهة
-وربما أكثر خطراً- جَعَلَته يتعامل مع الأمر وكأنها كبوة يجب التعامل معها
بحسم وجدّية.
بَيْد أنّ الفتى -الذي لم يتعوّد أن يكون في وسط العاصفة-
كان مضطرباً خائفاً؛ حتى إنه لم يستطع أن يمنع نفسه أن يذهب إلى أبيه،
ويبثّه خوفه مرتعداً: "المياه يا أبي ستُغرقنا، إنها النهاية لا ريب".
فما كان من الأب إلا أن أمسك بكتف صغيره بقوة، ونظر في عينيه،
وقال له:
ماء البحر لن يستطيع إغراق قاربك، مادام لم يصل إلى داخله
نعم؛ فالداخل هو الأهم؛ حيث الجوهر والكيان الأصلي.
وفي الحياة كما في البحر، تهبّ العواصف، تزمجر، نظنّها جميعاً
ستقلب قارب حياتنا رأساً على عقب، فقط الذي يحافظ على داخله
صلباً قوياً سالماً، هو الذي سينتصر ويستمرّ.
بينما الهلع والخوف واجتلاب الظنون والمخاوف والأوهام،
سيُغرقنا قبل أن تُغرقنا هموم الحياة وتحدياتها.
خاصة أن الحياة عندما تزمجر؛ فإنها تُرسل إليك بنداء قاسٍ عنيف؛
لكنه يحمل في طياته سؤالاً في غاية الأهمية، وهو:
هل أنت على قدْر الاختبار؟
هل تستحقّ أن تكون على ظهر القارب؟
أم أنك يجب أن تنتظر كالملايين على الشاطئ، يكفيك أن تشاهد وتنظر،
وتعود إلى كهفك مطمئناً هانئاً، مكتفياً بمتعة المشاهدة؟
ولذا تظلّ أهم وأكبر الاستراتيجيات في التعامل مع ما تأتي به الأيام،
هو تنقية الداخل والمحافظة عليه؛ خاصة وأن الخارج ليس لنا يدٌ في تغييره
وتوجيه دفّته.
تحكي كُتب التاريخ أن المسلمين كانوا يتأهّبون لفتح إحدى بلاد الروم،
عندما جاءتهم الأنباء عن عِظَم جيش العدو، وكثرة العدة والعتاد.
تواترت الأخبار عن الجيش الزاحف نحوهم، وبدأت العيون تتجه إلى القائد،
لمعرفة رأيه وما الذي يخطط له.
دخل القادة على سيف الله المسلول خالد بن الوليد،
فرأوه متكئاً ينظر إلى إصابة لحِقَت بقدم فرسه الذي يناديه بـ"الأشقر".
وقفوا بين يديه وأخبروه بما تنامى إلى علمهم من الأخبار،
وهو يستمع بصمت، إلى أن انتهوا من حديثهم؛
فما زاد على أن رَبَت على رأس فَرَسه وهو يقول:
"ليت الأشقر يُشفى من عرجه يومها، ويُضاعف الروم في العدد".
هكذا ببساطة صاغ الخطة..!
الآتي سيكون؛ لكن تعاملك معه هو الذي سيصنع الفارق،
هو الذي سيُظهر مدى سيطرتك على مقاليد الأمور.
أما الحزن والهلع والاضطراب؛ فهو إعلان مبكّر عن خسارتك للتحدي..
تحدي الحياة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق